طارق الشناوي : أسئلة 2023 لا تزال تبحث عن إجابات في 2024 ؟

مقالات

طارق الشناوي: أسئلة 2023 لا تزال تبحث عن إجابات في 2024 ؟

كتب : طارق الشناوي

نكتشف أننا في كل عام جديد يزداد رصيدنا من الأسئلة، التي نحملها على كاهلنا من عام إلى عام، بينما لدينا قصور شديد في الإجابات، كثيرًا ما نخطئ ونمعن في الخطأ، وبعدها نفقد البوصلة، وبعدها نسأل أين كنا وكيف أصبحنا؟
هل نسأل لنعرف الإجابة، أم لدينا إجابة سابقة التجهيز، وننتظر فقط أن نسمعها بصوت الآخرين؟

كثيرًا ما يصادفني في الشارع، مَن يسألني والحسرة تنطق بها عيناه قبل لسانه، عن التردي الحادث في الحياة الفنية، محملًا أغاني المهرجانات، وكروان مشاكل، ومحمد رمضان وعددًا من المسلسلات والأفلام سر كل الموبقات التي تجري في الشارع، وكأنه يعفي نفسه تمامًا من أي احتمال لخطأ ما، من الممكن أن يكون قد ارتكبه. ولو بحسن نية.

أستمع في البداية إلى خطبة عصماء، عن زمن يصفونه بالجميل، ومن وجهة نظرهم أنه كان ناصع البياض، وأن نجومه كانوا ملائكة، لا ينقصهم سوى الأجنحة، وعندما تأتي إجابتي أن الماضي مثل الحاضر به قبح وجمال، وأننا نحكم على الزمن القديم، من خلال ما تبقى في الأرشيف من أعمال فنية، وهي الرائعة، سواء من الأفلام أو الأغنيات، ونغفل أنها لا تمثل أكثر من 10 في المائة فقط، بينما الباقي كان رديئًا، وهو ما نعيشه بالضبط الآن، وبعد أن أنتهي من إجابتي، أشعر بالخذلان وأقرأ في وجه محدثي كل علامات الاستفهام، تطل في نبرة الصوت الدهشة، وكل مفردات التعجب، ويصبح السؤال مباشرة كيف تقول ذلك يا أستاذ؟
لسانهم يقول رأيًا، ويريدونك مجددًا أن تكرره لتسمعه آذانهم. ليست فقط تلك هي المشكلة، ولكن عقولهم في العادة لا تسمح برأي آخر، إنه الكسل، الذي أصاب عددًا كبيرًا من البشر، ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، كان من المفترض أن تتعدد زوايا الرؤية، ونرى الكل يعبر عن موقفه، إلا أن الحادث على أرض الواقع أن هناك «الترند» الذي يعني الإجماع. نعم في النهاية يصل أغلبهم إلى شاطئ واحد، ورأي واحد، وتلعب نظرية «الطابور» دورها، وهي أن ننتظم كلنا خلف موقف محدد، ونميل عادة لأحد اللونين، أبيض أم أسود، ولا نؤمن بأن الحياة في أغلب جوانبها رمادية.

لديكم هذا السؤال الذي احتل في آخر عامين المقدمة ولا يزال: هل بوتين مجرم حرب، أم بطل عالمي يدافع عن الأمن القومي لروسيا، ويتصدى بشراسة لسطوة أمريكا وأوروبا على مقدرات الشعوب؟

أغلبنا لديه إجابة مطلقة؛ مجرم أم بطل، وتختفي أي مساحة رمادية، ونتهم صاحب الرأي الذي يقف في منتصف المسافة، بالهروب من الإجابة.

كيف تعلي من قيمة استخدام السلاح، على حساب كل المعايير الإنسانية؟! متجاهلين أن هناك قتلى وجرحى ومشردين وضحايا بالملايين، وغلاء يضرب العالم بضراوة، ما ذنب المواطن أيًا كانت جنسيته، أن يدفع ثمن تلك الحرب من دمائه وأمواله؟!

والجانب الآخر من الصورة، هو استخدام السلاح الثقافي في عقاب روسيا، أراه خطأ استراتيجيًا. المقاطعة، سياسية أو اقتصادية، ممكن أن أتفهمها، ولكن كيف نصل للمقاطعة الثقافية؟ تمنع المهرجانات الكبرى الفنان الروسي من الاشتراك بعمله الفني! أفهم مثلًا أن الأفلام التي تدافع عن موقف الرئيس الروسي بوتين أو تتناوله كبطل لا تعرض، في هذا المهرجان لأنها تتعارض مع السياسة التي ينتهجها، ولكن كيف نطلب من قائد أوركسترا روسي يعيش في ألمانيا أن يهاجم رئيسه، حتى يواصل قيادة الأوركسترا في برلين أو ميونيخ؟! نرفض أن يستغل الحفل في الدفاع عن الاجتياح الروسي لأوكرانيا، ولكن أيضًا لا تتم مقايضته في البقاء، مقابل أن يعلن إدانته المطلقة للرئيس بوتين.

يبدو أن كلًا منا صار يعيش في غرفة متعددة المرايا، لا يرى سوى نفسه، ولا يسمع إلا صوته، ورغم ذلك بين الحين والآخر نفتح الغرفة لزائر، نريد منه أن يتحول هو أيضًا إلى مرآة إضافية، لنرى فقط وجهنا، ونسمع فقط صوتنا!!
أسئلة عديدة تواجهنا بضراوة في كل تفاصيل حياتنا، طرحت نفسها بقوة في 2023، أتمنى أن نحاول العثور عن إجابات قاطعة في 2014.. أتمنى!!