عندما يقولون لنجم النجوم: «إن كنت ناسي أفكرك»

مقالات

عندما يقولون لنجم النجوم: «إن كنت ناسي أفكرك».

كتب : طارق الشناوي

كثيراً ما تستمع إلى هذه الكلمة: (فلان جاء لي يترجّاني أن أمنحه فرصة، والآن بعد أن أصبح نجماً، يشار له بالبنان، لا يذكرني حتى بتليفون. أكثر من ذلك عندما يسألونه عمّن منحه الفرصة الأولى يتعمّد تجاهل الإشارة إلى اسمي).

لا أحد يصنع نجومية أحد، لكن هناك من لديه حاسة اكتشاف النجوم، والدفع بهم لآفاق أرحب، كل ذلك لو ارتبط أيضاً بحس يعرف بالضبط مفردات السوق، لتحقق نجاحاً استثنائياً، البعض يطالب بالثمن، وينتظر ممن أطلقه يوماً، أن يظل حتى نهاية العمر مردداً كلما رآه نشيد الطاعة والولاء.

في العادة، كبار النجوم المسيطرون على الساحة لا يرحبون غالباً بمن يأتي بعدهم، هم يستشعرون أن الجيل الجديد القادم، قادم من أجل أن يقوّض نجوميتهم ويضعهم خارج الخط، بينما هناك أقلية لديهم استعداد للتعامل مع حقيقة الزمن، يؤمنون بالحكمة الشهيرة (لو دامت لغيرك ما جاءت إليك).

الأغلبية تسعى لتثبيت الوضع كما هو عليه، طالما جاءت إليك، فلن تسمح بها لغيرك!

لدينا فنانان كبيران، والمشترك بينهما عادل إمام، عندما تألق عادل وسعيد صالح ويونس شلبي في (مدرسة المشاغبين)، أكثر مسرحية عربية حققت رواجاً جماهيرياً في النصف قرن الأخير، اكتشف مدبولي أن الضحك الصاخب منبعه الحقيقي عادل ورفاقه، وأن هناك شفرة جديدة للكوميديا فرضت نفسها، كان يعز عليه أن يظل فترات طويلة في حجرته بالكواليس يستمع فقط لضحكات الجمهور، لنجوم الكوميديا الجدد الذين باتوا يسيطرون بمساحات زمنية أطول على خشبة المسرح.

حاول، دون جدوى، تقليص أدوراهم وضحكاتهم، بحجة أنهم يخرجون على النص، ولهذا لم يجد سوى أن يهدد بالانسحاب من العرض، ولأن منتج المسرحية مبدأه هو (من يكسب به يلعب به)، فقد ضحّى بمدبولي، وعندما التقيا مجدداً، أقصد عادل ومدبولي في فيلم (إحنا بتوع الأتوبيس)، ومنعاً للتناحر المرتقب رفع مخرج الفيلم حسين كمال (يافطة) في الاستوديو مكتوباً عليها ضرورة الالتزام الحرفي بالسيناريو والحوار، وبالطبع فإن السيطرة ممكنة على الفنان الكوميدي أمام الكاميرا، بينما من المستحيل تحقيقها على خشبة المسرح، حيث تُصبح العصمة بيد النجوم.

تأملوا الوجه الآخر من الصورة، كيف تعامل فؤاد المهندس مع نجاح عادل إمام؟ تاريخياً فؤاد هو الذي منح عادل أول إطلالة جماهيرية في مسرحية (أنا وهو وهي)، وكانت تلك اللزمة (بلد شهادات صحيح) التي يرددها دسوق أفندي وكيل المحامي هي جواز مرور عادل لقلوب الملايين من العرب.

يجب أن نذكر شيئاً نضعه بين قوسين، (أن من تقاليد المسرح الخاص كانت ولا تزال أن النجم الذي يقطع الجمهور من أجله تذكرة الدخول يملك الكثير من الأوراق على كل مفردات العمل الفني)، ولهذا لو لم يرد فؤاد المهندس أن يردد عادل تلك اللزمة، لتوقف عادل فوراً، لكن فؤاد المهندس، الذي كان يحمل لقب الأستاذ، امتلك قلباً أبيض اتسع للجميع.

عندما وجد أن الجمهور سعيد بتلك (اللزمة) فكان مشجعاً لعادل على تكرارها، وبعد أن حقق عادل نجومية طاغية في شباك تذاكر السينما، لم يجد الأستاذ فؤاد حرجاً في أن يسبقه عادل إمام في (التترات) و(الأفيش) في أفلام مثل (خاللي بالك من جيرانك) و(خمسة باب)، بدون أن تلمح أبداً في عينيه لوم وعتاب، لو أحلته لكلمات لأصبحت مفرداته هي (إن كنت ناسي أفكرك)!

أتذكر أنني سألت عمر الشريف كيف وافق على أن يسبقه عادل إمام في (تترات) و(أفيش) الفيلم الوحيد الذي جمع بينهما (حسن ومرقص)؟ أجابني (أنا مش ح تفرق معي، لكن مع عادل ح تفرق كتير)، هكذا يتعامل الكبار في تلك التفاصيل الصغيرة، لأنها (ولا تفرق معهم)!

ويبقى أن نذكر أن من منح فرصة لوجه جديد عليه ألا ينتظر أن يردها له عندما يُصبح نجماً يمتلك القرار، أعمل الخير وارميه البحر، فقط لا غير، وسوف يردها لك البحر!