جيهان الغرباوي | السعادة والشكوى.
يحلم الإنسان ويتمنى و يسعى ويكرر المحاولات وينتظر ان تتحقق المعجزات ليجقق السعادة .. وحين تساعده السماء و يتحقق له ما يريد يبتهج ويحتفل ولكنه بعد فترة؛ يجد نفسه يسأم ويزهد أو ينسى!
اختبر ذلك بنفسك .. وخذ مثلا من حياتك كم مرة تحقق لك امل اوهدف تمنيته من كل قلبك وشعرت بالسعادة ؛ وقفزت فرحا في الهواء وتوقعت ان حياتك قد تغيرت ثم بعد مدة ربما قصيرة واحيانا لا تتجاوز ٣ ايام.. وجدت نفسك مرة اخرى بنفس احساسك الاول و كأنك لم تغادر بعد المربع صفر.
في روايته الأعز الى قلبه ( صح النوم ) يحكى الكاتب الكبير يحيى حقى عن القرية البعيدة الفقيرة التى كان حلم الناس فيها كل الناس حتى التلاميذ في المدارس ان يمر بها قطار السكه الحديد، حلم شرعى بسيط لكنه كبر في القلوب وصار حديث الفلاحين و النساء و المدرسين و التلاميذ الصغار في المدرسة الابتداءيه الوحيدة داخل تلك القرية.
حتى الافنديه المتعلمين صاروا يحلمون بيوم يجدون محطه لقطار باسم قريتهم و شباك تذاكر و رصيف ينتظرون فوقه الغاءبون او يسافرون منه نحو العاصمة و المدن الكبيرة في البندر حيث الجامعه و الأطباء و المصالح و مكاتب الناس الكبيرة نافذه الكلمة و صاحبه القرار.
مدرس طيب في المدرسة كان هو الوحيد الذى يحدث تلاميذه الصغار عن ميزه ان تكون القرية هادىءه بلا صفير القطار المزعج ولا هزات عجلاته الحديد التى ستزلزل البيوت الفقيرة المتهالكه في أماكنها و ستنكسر بسببها قصارى الورد الأحمر الجميل و قلل الفخار الضعيف على النوافذ.
ظن الناس ان المدرس يعزى نفسه لانه يائس من تحقيق الحلم الكبير وو صول السكه الحديد لقريتهم المنسية قليله الحظ كثيره العوز والمشكلات.
ويشاء الحظ و يمرض احد الافنديه الشباب بالقرية مرض عضال يستدعى العلاج في مستشفى العاصمة ، و يغيب الأفندي للعلاج بعيدا عن قريته سنه ، يعود بعدها ، فيجد كل شيء تقريبا قد تغير … يسائل عن الأسباب فيقول له كل من يقابله ( صح النوم ) يا استاذ … لقد اصبح في القرية قطار و مرت من هنا السكه الحديد!
ويظن الأستاذ و نحن معه ان الحلم الكبير حين تحقق صارت الدنيا أجمل و أبهى و أسهل ولم يعد بالقرية مكان للشكوى او وقت للاستياء او سبب لاى قلق او وجع … و قبل ان يغادر رصيف محطه القطار المستجد على قريته يقابل بالصدفة شخصين احدهما كناس مهمته نظافه المحطة و الثاني رجل مطافىء.
يشكو له الكناس من الجهد الكبير الذى يبذله في هذه القرية هدرا بلا مقابل مجزى و لا علاوه غلاء ولا تقدير من الحكومة ، و حتى الناس تستحق قطع رقبتها من فرط استهتارها فهم لا يحلو لهم تقشير البرتقال و رمى المخلفات إلا على رصيف محطه القطار و بعضهم يمص القصب و لا يكف عن إلقاء القمامة حتى يضطر ان يكنس المكان مرتين كل نهار بسبب جهل الناس وإهمالهم .. انه هم يهد الجبال
أما رجل المطافئ فيشكو للأستاذ أجره المتدنى ، وإهمال المجلس القروى لمتاعبه و زملاءه رغم أنهم دخلوا عهد الإصلاح ، و رغم الثورة فالعمده الجديد مشغول بالانتخابات المقبلة و السكه الحديد مرت في القرية دون دراسه او تخطيط فراحت تتهدم بسببها البيوت القديمة و الآيله للسقوط و اضف لما سبق ان العناصر الفاسدة و المقاولين غير الشرفاء لم يفكروا في عدد الحرائق التى تشتعل كل يوم في أجران التبن و الغلال بسبب شرر القطار.
لقد صار العمل في إطفاء الحرائق بالقرية مهمه لا تتوقف ليل نهار و كادر العاملين يتساوى مع كادر عمال النظافة ، فأين إطفاء الحرائق و اقتحام المناطق الملتهبه من الانحناء لجمع بعض التراب و الورق من الأرض ؟؟ وهل هناك في الدنيا أكثر من هذا ظلما و افتراء ؟؟؟؟
تذكر الأستاذ السوق الذى اندثر و انمحى من فوق الأرض كى يمر القطار مكانه و حن الأستاذ لباءع العرق سوس الذى كان يقف عند أطراف السوق .. و دكان الحلاق صديقه الذى انهدم كى يفسح مجالا للرصيف و شباك تذاكر القطار الجديد …. لقد اختفت أشياء كثيره يحبها الأستاذ و بقيت الشكوى و التظلمات و المطالب لا تنتهى … !!