د. هيثم بدران : الولادة الطبيعية أو القيصرية

مقالات

د. هيثم بدران : الولادة الطبيعية أو القيصرية.

سؤال شهير يسمعه كل طبيب من كل سيدة في بداية الحمل “هل ستكون ولادتي طبيعية أم قيصرية؟”

دعونا نتفق على أن الولادة الطبيعيه لا تذكر إلا بأثر رجعي، بمعنى أنه لا يوجد طبيب ولادة محترف يستطيع الجزم بأن الولادة سوف تكون طبيعية، هذا لأننا لا نستطيع التنبؤ بما يمكن أن يحدث في اللحظة القادمة أثناء عملية الولادة والذي قد يكون كفيلا بتغيير المسار من طبيعي إلى قيصري.

دعونا أيضاً نتفق على أن الهدف الأسمى هو إنهاء عملية الولادة بوجود طفل سليم معافى لأم سليمة معافاة أياً كانت طريقة الولادة سواءً طبيعية أو قيصرية…

الأصل في الولادة أن تكون طبيعية ولكن يلجأ الطبيب في بعض الأحيان للولادة القيصرية عند وجود تهديد لسلامة الأم أو الجنين.
نسمع كثيراً أن معدلات الولادة القيصرية قد ارتفعت في مصر عن المعدلات العالمية المسموح بها، ويتساءل الناس عن الأسباب التي أدت إلى ذلك.

بعد ٢٥ سنة من ممارسة المهنة أستطيع تسجيل بعض الملاحظات وهي كالتالي:

في بداية الحمل أجد أغلب السيدات متحمسات للولادة الطبيعية ويتمنين الابتعاد عن شبح القيصرية. غير أن هناك فئة غير محدودة أجدهن يخشين الولادة الطبيعية خوفاً من تأثيرها على جودة العلاقة الزوجية فيما بعد.

ومع تقدم الحمل، فإن أغلب السيدات لا يلتزمن بقواعد التغذية السليمة ولا يمارسن الرياضة المطلوبة بصورة منتظمة.

وفي الحقيقة، فإن قلة ممارسة الرياضة له دور مهم في إضعاف عضلات الحوض، وذلك له أثر سلبي على الولادة الطبيعية.

مع بداية الشهر التاسع وظهور ما هو معروف بآلام الولادة الكاذبة أو باللغة الدارجة “التفاسيح”، نجد أغلب السيدات غير مستعدات لتحمل مثل هذه الآلام التي هي جزء لا يتجزأ من الولادة الطبيعية.

أمهات السيدات الحوامل اللاتي يمتلكن الخبرة السابقة في الولادات الطبيعية لا يقدمن الدعم النفسي الكافي لبناتهن، بل أجدهن دائماً في حالة انزعاج من أي ألم أو شكوى تشكو منها ابنتها، مما يؤدي إلى توتر الأجواء المحيطة بالسيدة المقدمة على الولادة بدلا من طمأنتها.

نبدأ بالجملة الشهيرة “أنا مش قادرة أنتظر على هذه الحال لمدة أسبوعين، أرجوك ولدني”، ثم نبدأ في شرح مزايا وعيوب كل نوع من أنواع الولادة، فيأتي السؤال الشهير “هل لو تحملت وانتظرت أكيد الولادة ستكون طبيعية؟” يكون الرد المنطقي “لا يوجد شيء في الحياة مضمون”.

هناك شابات قويات يتحملن ويرفضن الاستسلام طالما أن الأمور مبشرة بأن احتمالات الولادة الطبيعية ستكون كبيرة، وينتظرن الدخول في الولادة.

ولكن للأسف فإن نسبة منهن مع بداية طلق الولادة الحقيقي والشعور بالآلام يتوترن جداً، بل تساهم أسرهن في زيادة التوتر لديهن بدلا من تشجيعهن وبث القوة والثقة فيهن، كما لو كانوا لم يروا ولادة طبيعية من قبل.

للأسف يبدأ المرافقون في مفاوضة الطبيب لتوليد ابنتهم ولادة قيصرية رحمة بها، وإذا أصر على موقفه بأن تمضي الولادة بصورة طبيعية، فإن ذلك يقابَل باستياء من الأهل.

في أحيان أخرى ليست بقليلة نجد أن السيدة متحمسة للولادة الطبيعية، ولديها قوة التحمل اللازمة وتجد الدعم الكامل من الأسرة، ولكنها للأسف تعاني من ضعف في عضلات الحوض، وهي ملاحظة لاحظتها لدى عدد كبير من أساتذتي وزملائي في بنات الأجيال الحالية، ولم تكن موجودة في الأجيال السابقة.

ويرجع ذلك بالطبع لسوء التغذية، بالإضافة إلى نمط الحياة المريحة الخالية من أي مجهود بدني.

أخيرًا يجب أن نوضح أن الولادة القيصرية عندما تُجرى في موضعها السليم تنقذ الكثير من السيدات والأطفال من مشاكل جسيمة كانت يمكن أن تحدث حال استمرار الولادة الطبيعية. سوف نستكمل حديثنا في العدد القادم عن مزايا وعيوب الولادة الطبيعية والقيصرية ودور الطبيب في اتخاذ القرار.

أتمنى أن يرفع ما سبق أصابع الاتهام عن السادة الأطباء بادعاء أنهم “يستسهلون” الولادة القيصرية نظراً لقلة الصبر على الولادة الطبيعية. وفي أقوال أخرى لحصد أتعاب أكثر. لن أنكر أن هذا النموذج موجود، لكنه يحدث في نطاق ضيق جداً وليس هو السبب الرئيسي في ارتفاع معدل الولادات القيصرية، حيث إن الغالبية العظمى من الأطباء يؤدون عملهم باحتراف ويحكمون ضمائرهم قبل أي شيء.

كيف يتم صناعة قرار الولادة؟ وما دور كل من الطبيب والأسرة في اتخاذ القرار؟

يكون القرار سهلًا عندما تسير الأمور بصورة طبيعية في اتجاه الولادة الطبيعية أو بصورة واضحة في اتجاه الولادة القيصرية، نظراً لما قد تحمله الولادة الطبيعية من مخاطرة على الأم أو الجنين.

لكن، في بعض الأحيان نتواجد في منطقة رمادية، نظراً إلى أن هناك احتمالات أن تتم الولادة بصورة طبيعية، علماً أن هذا الاتجاه يحمل درجة من المخاطرة المحسوبة، وهنا بيت القصيد. هل هو قرار الطبيب وحده أم بالاشتراك مع الأم أو بالاشتراك مع الزوجين والأسرة؟

لا يمكن مناقشة أنه لا بد أن يعي كل طرف في هذا الحدث دوره، وأن يتحمّل كل مسؤولياته، وذلك وفق شروط وعوامل محددة.
في هذا الشأن يكون الطبيب اللاعب الرئيسي حتى في هذه المرحلة.

وذلك لأن توجه ومسيرة عمليه اتخاذ القرار تبدأ بقدرة الطبيب في شرح وافي واضح، بقدر من السهولة والدقة التي تسمح لغير الطبيب درجة من الفهم لمزايا وعيوب كل اتجاه.

وبذلك يستطيع الزوجان استيعاب مقدار المخاطرة التي قد تواجهنا في كل قرار ومقدار المكاسب التي قد نحصل عليها منه.

لذلك فإن دور الطبيب في هذه المرحلة في مثل هذه الحالات يكون دوراً استشارياً، لكي يكون اتخاذ القرار مشتركاً والمسؤولية مشتركة بين الطرفين.

نوضح الآن مزايا وعيوب كل طريقة ولادة بصورة مبسطة.
الولادة الطبيعية:

هي الأساس دون شك

– تخرج منها السيدة مجهدة، وكأنها مارست رياضة بصورة مكثفة.

– ولكن الاستشفاء منها سريع، حيث تعود السيدة إلى حياتها الطبيعية خلال وقت بسيط، وقد تعود إلى بيتها بعد ٨ ساعات من الولادة. هذه هي الميزة الرئيسية للولادة الطبيعية.
على الجانب الآخر

– نجد أن ليس لها موعد، فقد تحدث في منتصف الليل أو فجراً أو في وسط النهار.

– قد لا يستطيع الطبيب اللحاق بالولادة في بعض الأحيان.

– قد يسبق الولادة فترة من الآلام الكاذبة، التي قد تكون مجهدة للسيدة في بعض الأحيان وتؤدي بها إلى “الإرهاق” من الانتظار.

– قد تطول فترة الولادة نفسها خصوصاً للتجربة الأولى، مما قد يصيب السيدة بإعياء شديد.

– تحتاج بعض السيدات إلى عملية توسيع للعجان لتيسير عملية الولادة، وتسهيل خروج رأس الجنين ثم جسده، وهذه العملية في حد ذاتها قد تخيف بعض السيدات، نظراً لاحتمالات تأثيرها في جودة العلاقة الزوجية فيما بعد.

لكن يجب التوضيح أن الجراح الماهر يستطيع إصلاح هذا الجرح بحرفية شديدة، بما لا يؤثر في العلاقة فيما بعد.
الولادة القيصرية:

بعض السيدات يخترن بمحض إرادتهن الكاملة الولادة القيصرية، ربما من أول يوم في الحمل، وبإصرار شديد للأسباب الآتية:

– تقصير فترة الولادة الطبيعية التي يمكن أن تصل لساعات، وقد تنتهي بولادة قيصرية لأي سبب.

– تجنّب المفاجأة بآلام الولادة في ساعات منتصف الليل، وما يتبعه من عواقب عملية للأسرة.

– ترتيب ميعاد الولادة بما يتناسب مع ظروف الأسرة وتواجد الطبيب المعالج.

– الخوف من عواقب عملية التوسيع وتأثيرها في العلاقة الحميمة مع الزوج.

في الحقيقة كلها أسباب منطقية، ولها أساس، لكن يغيب عنها أمور أخرى يجب توضيحها.

– التعافي من القيصرية، والعودة إلى الحياة الطبيعية يستغرق من أسبوعين إلى ٤ أسابيع.

– تحتاج السيدة إلى المكوث بالمستشفى من ٢٤ إلى ٤٨ ساعة.

– قد تحتاج السيدة إلى مسكنات لمدة ٣ أيام بعد العملية.

– الولادة القيصرية هي عملية جراحية، وكأي عملية لها مخاطر، صحيح مع التقدم الشديد في التخدير والتقنيات الجراحية الذي جعل من القيصرية عملية بسيطة إلا أنها تظل جراحة.

– هناك آثار مستقبلية نادرة لمن قد تحدث فيما بعد مثل التصاقات الأنسجة داخل الحوض أو التصاق المشيمة في الحمل القادم بجرح القيصرية السابقة داخل الرحم.

لذلك مهم جداً عند اتخاذ قرار الولادة القيصرية أن يكون لا بديل له عندما تكون محاولة الولادة الطبيعية مخاطرة كبيرة على الأم وعلى الجنين.

لا نستطيع إلا أن نؤكد أن اتخاذ القرار المشترك يتوقف بدرجة كبيرة على مهارة الطبيب وحرفيته، وقبل كل ذلك أخلاقه المهنية.
نختم بالسؤال الشهير، هل يمكن أن تلد السيدة بصورة طبيعية بعد

ما ولادة قيصرية؟

الإجابة نعم، ومرة أخرى يتم مناقشة ذلك مع الطبيب المعالج، لمعرفة ما قد يواجهنا من مخاطر لاتخاذ قرار مشترك.

نسأل الله السلامة للجميع