قليل من الحُب قد يسعدنا

مقالات

قليل من الحُب قد يسعدنا

د. منى رجب

يطل علينا عيد الحُب العالمي أو يوم الفالنتين في ١٤ فبراير الجاري، حيث ستسود الاحتفالات به في كل مكان بالعالم، ورغم الظروف التي حولنا واندلاع حرب وحشية في قطاع غزة، وتعاطف الشعب المصري ودعم القيادة السياسية له، والمطالبات والجهود الدولية المكثفة التي يبذلها الرئيس عبدالفتاح السيسي لوقف الحرب في غزة، واستعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وإدخال المساعدات الإنسانية له، وغضب الرأي العام العالمي، وقيام مظاهرات حاشدة ضد إسرائيل في شوارع المدن الكبرى، للتنديد بمشاهد المجازر الإسرائيلية البربرية ضد الشعب الفلسطيني، الذين تجاوز عدد شهدائهم ٢٥ ألفًا، ٧٣ في المائة منهم من الأطفال والنساء، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من الجرحى، وتدمير منازلهم، وعرقلة وصول الاحتياجات الأساسية من الوصول لهم، إلا أن عيد الحب ينتظره جميع المحبين والعشاق لإحيائه والاحتفال به معًا، أو الاحتفال به بين الزوجين أو بين أفراد الأسرة أو بين الأصدقاء.

ويتخذ الاحتفال بعيد الفالنتين أشكالًا عديدة، حسب كل دولة وطباع أهلها، إلا أن القاسم المشترك في عيد الحُب، هو أنه فرصة مواتية للتعبير عن مشاعر الحب بين المتحابين وإشعال جذوة المشاعر وتبادل الهدايا الرمزية ذات اللون الأحمر أو الورود الحمراء، أو الدباديب الحمراء، أو الرسائل العاطفية، حيث تمتلئ واجهات محلات الهدايا بهدايا عيد الحب المختلفة ذات اللون الأحمر واللون الوردي، كما تمتلئ المحلات والمكتبات بالكروت المكتوب عليها عبارات الحب للمشاهير من الكتاب والشعراء والأدباء والمبدعين حول العالم.

وتعود تسمية عيد الفالنتين إلى قصة حدثت للقديس فالنتين، الكاهن في مدينة روما في القرن الثالث الميلادي، الذي كسر قواعد وأوامر صارمة أصدرها الإمبراطور الروماني كلاوديوس الثاني، الذي منع الزواج لاعتقاده بأن جنوده المتزوجين لم يكونوا جنودًا جيدين وأقوياء ليخوضوا الحروب، إلا أن القديس فالنتين اعتبرها خطوة ظالمة، فكان يرتب الزواج سرًا، ولما عرف الإمبراطور بفعلته، أصدر حكمًا بإعدامه في ١٤ فبراير.

ويقال إنه أحب ابنة السجان، فأرسل لها رسالة في هذا اليوم موقعة بعبارة «من عيد الحُب الخاص بك»، وهكذا انتصر القديس فالنتين للحب قبل أن يتوفى بسبب انتصاره للزواج بين المحبين، ما تسبب في إنهاء حياته وإعدامه بسبب موقفه الداعم للحب.

ومنذ ذلك التاريخ، اعتبر أن عيد الحُب أو عيد الفالنتين، يكون موعده في يوم ١٤ فبراير من كل عام، وتطورت أشكال الاحتفال به مع مرور الزمن، ثم في السنوات الأخيرة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والاتصال ووسائل الإعلام والإنترنت، فإنها جميعها مليئة بكل أشكال التعبير عن الحب، بل قبلها بأيام نجد أن عيد الفالنتين قد انتشر في كل البلدان وتطور؛ حتى إنه قد أصبح مهرجانًا مبهجًا للحب ولإحياء مشاعر الحب بين الناس وبين الشعوب، فنجد في وسائل التواصل الاجتماعي والفضائيات والقنوات كلمات وأفلامًا وأغاني وفيديوهات وصورًا ودباديب وورودًا ورسائل وبوستات، كلها بها كلمات وعبارات عن الحب.

وأنا أتوقف عند هذا اليوم وأهتم بالاحتفال به؛ لأنه يتضمن التعبير عن أسمى شعور إنساني وهو الحب، وفي رأيي أن الحب هو أهم شعور يميز الإنسان، كما يميز إنسانًا عن آخر، ففي رأيي أن الإنسان القادر على الحب، هو الذي لا تعرف الكراهية طريقًا إليه، وهو شعور خاص وعام أيضًا، فهو يبدأ من حب الحبيب إلى حب أفراد الأسرة، على رأسهم حب الأم والأب والأبناء، ثم حب العمل وحب الوطن، وأسمى شعور نوراني عرفه الإنسان هو حب الله، والنجاح في أي علاقة أو أي شيء في الحياة مرهون بالحب، فمن يحب أفراد أسرته يبادلونه الحب وستنجح الأسرة في مسيرتها، ومن يحب حبيبته ستنجح علاقته بها، ومن تحب حبيبها ستنجح في علاقتها به، ومن يحب زوجته سينجح في زواجه، ومن تحب زوجها ستنجح في زواجها وتستمر علاقتهما ناجحة وسعيدة؛ ما دامت تقوم على الحب والتعبير عنه بشتى الطرق، ومن يحب عمله مثلًا سينجح فيه، ومن يحب الله فسوف ينجح في التقرب إليه وطاعته.

ويختلف الشعور بالحب من شخص إلى آخر، ويختلف في سن الشباب عنه في سن النضج، ويختلف شعور الحب عند المرأة عن الشعور به عند الرجل، فالمرأة في رأيي أكثر تعلقًا واهتمامًا بالحب والعطاء، والتعبير عنه من الرجل الذي تحبه يهمها لأنه دليل حبه لها، فالمرأة بطبيعتها لديها مشاعر فياضة أكثر مما لدى الرجل، فالرجل في تقديري، وكما لمست، تكون لديه اهتمامات أخرى، فهو يضع عمله في مقدمة اهتماماته، وهو يعتمد على أن المرأة تفهم أنه يحبها من مواقفه أو أفعاله أكثر من كلماته لها، ولهذا فإنه لا يكثر من التعبير عن الحب، وهو أكثر واقعية من المرأة من الناحية العملية، وفي رأيي أن عيد الحب هو فرصة مناسبة ليعبر الرجل للمرأة التي يحبها عن مشاعره تجاهها، فقليل من الحب قد يسعد المرأة، ووردة حمراء أو دبدوب قد يسعدها مع عبارة تفيض حبًا، إلا أنه للأسف فإن الرجل الشرقي بشكل عام لا يجيد التعبير عن مشاعر الحب، ويظن بعض الرجال أن التعبير عن مشاعر الحب متروك للمرأة، وهو من سماتها وأنها هي التي يمكنها أن تحرك مشاعر الحب في الرجل، بينما لا يعرف الرجال أن كلمة حب قد تجعل المرأة في منتهى السعادة، وقد تجعلها تكرس جهدها كله لرعاية الزوج أو الرجل عن طيب خاطر بكلمة حب صادقة، أو بقليل من كلمات الحب الصادقة النابعة من القلب.

فيا أيها الرجل الشرقي لا تبخل بكلمات الحب في عيد الحب، لأنها ستجعل امرأتك أسعد حالًا، ما سينعكس عليك بالضرورة في حياتك معها.

وفي تقديري أن التعبير عن مشاعر الحب، هو أمر مهم وأساسي في أي علاقة سوية بين المرأة والرجل، وضمان مهم وسبب أساسي، لنجاح واستمرار علاقة الزواج أيضًا، ولهذا فإن الاحتفال بعيد الحب العالمي، هو فرصة لتجديد مشاعر الحب وتبادل العواطف الصادقة، وإحياء نبض القلب مجددًا بين الرجل والمرأة، أو بين المتحابين عامة.

ونفس الكلام أقوله للزوج والزوجة، فيا أيها الزوج ويا أيتها الزوجة، تذكرا في هذا اليوم أن تعبرا عن مشاعر الحب بينكما، فإنها توقظ الأحاسيس الجميلة بين الرجل والمرأة، والتعبير عنها مهم وأساسي لتستمر علاقة الحب وحتى لا تنطفئ جذوته، وتذكرا أن عيد الحب يجيء في يوم ١٤ فبراير من كل عام؛ ليذكرنا بقدرتنا على أن نحب ونتحب، كما يذكرنا أيضًا بقدرتنا على أن نمنح الحب لمن حولنا؛ حتى تصبح الحياة أكثر جمالًا وأكثر روعة وأكثر قبولًا لنا في الأوقات الحلوة والأوقات الصعبة، خاصة في الأوقات الصعبة قبل الحلوة.