الحُب.. حقيقة أم خيال؟
بقلم: أ. د. عمرو بسطويسي
لعل القارئ لعنوان هذا المقال يتغاضى عن قراءة المحتوى، فمن المؤكد أنه قد مرت عليه العشرات من المقالات المشابهة التي تحدثت عن الحب، ولكن ما باليد حيلة، فسيظل الحب – بكل مفاهيمه – هو حديث الساعة وكل ساعة، ومحط اهتمام الإنسان في عصرنا هذا كما كان في كل ما سبق من عصور.
ولم لا، وهو – أي الحب – شأنٌ يمس القلوب ويلاطف الوجدان ويجعل- إن كان صادقًا – للحياة طعمًا وملمسًا.
ومَن منا لم يمر في حياته بمرحلة كان الحب فيها هو الكيان المهيمن عليه وعلى وجدانه ومشاعره.
ومًن منا لم يمر بتلك التجربة التي كانت تُثير مشاعره وتدغدغ جنبات قلبه؛ لتجعله ينبض بقوة أو يخفق بعنف حتى يكاد يتوقف من فرط ما أحدثه فيه ذلك المكنون الساحر والسحر المُبهر، ذلك الذي يسمى الحب.
والحب له أشكال ودرجات. فقد يُحب المرءُ ذاته ويعشقها، فيسمى عندها «نرجسية» أو «أنانية»، وقد يُحب المرءُ خالقه فيكون هذا هو «الإيمان»، وقد يُحب لعبةً ما أو نشاطًا ما فيسمى عندها «هواية».
وقد يكون الحب بسيطًا خفيفًا فيكون ما يسمونه «الإعجاب»، وقد يكون فى أوج قوته وعنفوانه فيسمونه «الوَلَع» أو «الهيام» أو «العشق». وقد يتخذ الحب شكلًا جنونيًا مرضيًا، فيكون ذلك هو «الهوَس».
أما أكثر أشكال الحب شيوعًا والأقرب إلى الذهن عندما يُذكر في أي موقف أو مجلس، فهو ذلك الحب الذي ينشأ بين الرجل والمرأة، وهذا الأمر إن خُضنا فيه، فسنظل نبحر في أعماقِ بحرٍ ليس له من قاع.
ولكن يكفينا أن نقول إن هذا الشكل من أشكال الحب هو سر ديمومة هذه الحياة، وهو أساس الحفاظ على جنس البشر، فبه تتم الزيجات وتتكون الأسر وتتواصل الأجيال.
وهذا الحب كالزهرة، لا يمكنها أن تعيش وتنمو إلا إذا ارتوت. وكل منا في أول ارتباطه بشريكة حياته تكون مشاعر الحب طاغيةً عليه، ينام في أحضانها ويستيقظ على أشواقه إليها، ويحلم بها في يقظته، حتى إذا ما أتم ارتباطه بمن يحب جرفته الحياة، وبدأت شعلة الحب في التواري؛ حتى إنها من الممكن أن تختفي. وهنا تكون الطامة الكبرى، لتتحول الحياة إلى روتين قاتل وينطفئ ذلك الوهج الجميل الذي كان يضفي على حياة الإنسان لمسات من الدفء والجمال والمتعة.
ومن الذكاء والفطنة أن يحافظ الإنسان في حياته على حد أدنى من مشاعر الحب لا تنطفئ. هذا الحد الأدنى هو ذلك الوقود الذي يُغذي مشاعرنا ويدفع بالدماء الدافئة في عروقنا ويعمل كمضاد للاكتئاب ومزيل للألم، ويكون لنا كالنبراس في ظلام الحياة ومبعث للأمل عند كل إحباط. وهذا لا يكون إلا بأن نُجَرِّد عقولنا من كل مُنَغِّص عند لقاء كل حبيب، وأن نُعلِّم أعيننا ألا ترى عندها غيره، وأن نطوع عقولنا ألا تفكر إلا فيه.
هذه الدرجة من التذاكي على الحس والمشاعر والبراعة في معاملتنا لقلوبنا لهي المفتاح لحياة مُفعمة بالحب ومُطعمة بالعشق، ومرصعة بلمسات الحبيب وملونة بزهرة الحب وحلاوة الغرام. هذه القدرة على الحفاظ على وهج الحب لهو الماء الذي نروي به زهرة الحب لتظل حية ومُتقِّدة.
إن في خلق الله لجنسي الرجل والمرأة لإعجاز لا يضاهيه إعجاز، وإن تكوينهما المُبهر الذي يُكمل أحدهما الآخر لهو من الكمال في الخلق، ما جعل الشعراء والكتاب والأدباء لا يملون من الكتابة عن الحب منذ بدء الخليقة.
حافظوا على قلوبكم نابضة بالحب، واجعلوا من الحب شمعةً تضيء حياتكم إن أظلمت، وتسعدها إن أحزَنَت وتجعل لها ألوانًا زاهية إن أصابها السواد.
خذوا من الحب وقودًا لقلوبكم وإكسيرًا لأرواحكم.
خذوا أحبابكم بين أحضانكم، فهم من نعم الله عليكم في الدنيا.
الحب الصادق هو حقيقة من حقائق الحياة، حلاوته كأنه الخيال.