تقنية الميتافيرس: عالم رقمي شامل ومستقبل التفاعل البشري

علوم و تكنولوجيا

تقنية الميتافيرس: عالم رقمي شامل ومستقبل التفاعل البشري

​الميتافيرس (Metaverse) هو مفهوم يشير إلى شبكة من عوالم ثلاثية الأبعاد دائمة ومتصلة يتم تقديمها في الوقت الفعلي، وتجمع بين تجربة الواقع الافتراضي (VR)، والواقع المعزز (AR)، والفيديو. إنه ليس تطبيقًا أو نظامًا واحدًا، بل هو التطور القادم للإنترنت، حيث يتحول التفاعل من مجرد تصفح إلى انغماس كامل. يهدف الميتافيرس إلى أن يكون مساحة رقمية حيث يمكن للأشخاص العمل واللعب والتواصل الاجتماعي وإجراء المعاملات الاقتصادية كما يفعلون في العالم المادي، ولكن بحدود أقل.

الأسس التكنولوجية والمكونات الأساسية

يعتمد وجود تقنية الميتافيرس على تضافر العديد من التقنيات المتقدمة:
​الواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزز (AR):
​VR يخلق بيئة رقمية مغلقة يمكن للمستخدمين الانغماس فيها بالكامل باستخدام سماعات الرأس.
​AR يمزج العناصر الرقمية مع العالم الحقيقي، وعادةً ما يتم الوصول إليه عبر الهواتف الذكية أو النظارات الذكية. هذه التقنيات هي واجهة المستخدم الرئيسية للميتافيرس.

​الكتل المتسلسلة (Blockchain) والعملات المشفرة: توفر هذه التقنيات البنية التحتية اللازمة لـ الملكية الرقمية والندرة، وهو أمر حيوي لاقتصادات الميتافيرس. يتم تداول الأصول الرقمية (مثل الأراضي الافتراضية والملابس الافتراضية) باستخدام الرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs)، مما يضمن أصالتها وحقوق ملكيتها.

​الذكاء الاصطناعي (AI): يُستخدم الذكاء الاصطناعي لإنشاء شخصيات غير لاعبين (NPCs) أكثر واقعية وتفاعلية، وتصميم بيئات افتراضية معقدة، وتحسين تجربة المستخدم من خلال التخصيص.

​الحوسبة السحابية (Cloud Computing) وشبكات الجيل الخامس (5G/6G): تضمن الحوسبة السحابية القدرة على معالجة ونقل كميات هائلة من البيانات في الوقت الفعلي، بينما توفر شبكات 5G/6G سرعات عالية وزمن وصول منخفض، وهو أمر ضروري لتجربة غامرة وسلسة.

الهوية والتواجد في الميتافيرس

​التواجد الشخصي هو حجر الزاوية في الميتافيرس. يمثل المستخدمون أنفسهم عبر الصور الرمزية (Avatars).
​الصور الرمزية (Avatars): يمكن أن تكون هذه الصور الرمزية واقعية للغاية أو خيالية، وهي الأداة التي يتفاعلون بها مع الآخرين ومع البيئة الافتراضية.
​قابلية التشغيل البيني (Interoperability): أحد أهم الوعود للميتافيرس هو القدرة على نقل الأصول الرقمية والهوية الرمزية من عالم افتراضي إلى آخر (على سبيل المثال، استخدام نفس الملابس الافتراضية أو الصورة الرمزية في ألعاب أو منصات مختلفة).

التطبيقات الاقتصادية والاجتماعية

​من المتوقع أن يكون للميتافيرس تأثير تحويلي على العديد من القطاعات:

​1. الاقتصاد والعمل:
​العمل عن بعد: يمكن للزملاء الالتقاء في مكاتب افتراضية غامرة، مما يجعل التعاون عن بعد أكثر فعالية وحضوراً.

التجارة الإلكترونية: العلامات التجارية تفتح متاجر افتراضية حيث يمكن للمتسوقين “تخيل” المنتجات (مثل تجربة الملابس افتراضياً) قبل شرائها في العالم الحقيقي أو الافتراضي.

​الأصول الرقمية (NFTs): تمثل فرصاً جديدة للمبدعين والفنانين لكسب الدخل من خلال بيع فنونهم ومنتجاتهم وخدماتهم الرقمية الفريدة.
​عقارات الميتافيرس: يتم بيع وشراء “أراضٍ” افتراضية بأسعار مرتفعة، وهي بمثابة أماكن لإنشاء متاجر أو استضافة فعاليات.

​2. الترفيه والتواصل الاجتماعي:
​الألعاب: الألعاب هي الشكل الأكثر تطوراً للميتافيرس حاليًا، حيث تتيح للاعبين التفاعل الاجتماعي والمالي داخل اللعبة.

​الفعاليات الحية: استضافة الحفلات الموسيقية والمؤتمرات والاجتماعات العامة في مساحات افتراضية يمكن أن يحضرها ملايين الأشخاص من جميع أنحاء العالم.

​التعليم والتدريب: إنشاء فصول دراسية افتراضية غامرة ومختبرات محاكاة للتدريب الطبي أو الهندسي، مما يوفر تجارب تعلم تفاعلية لا مثيل لها.

​التحديات والمخاطر

​على الرغم من إمكاناته الهائلة، يواجه الميتافيرس تحديات كبيرة:

​الخصوصية والأمن: مع زيادة البيانات الشخصية المتدفقة (بما في ذلك البيانات البيومترية وحركات العين) داخل بيئات تقنية الميتافيرس، تصبح قضايا الخصوصية والأمن أكثر تعقيدًا.

​التحكم والتنظيم: من سيدير الميتافيرس؟ وكيف سيتم تطبيق القوانين وتنظيم السلوك (مثل مكافحة التحرش والتطرف) في بيئة رقمية عالمية ولا مركزية؟

​قابلية الوصول والتكلفة: لا يزال الوصول إلى أجهزة الواقع الافتراضي/المعزز عالي الجودة مكلفاً، مما قد يؤدي إلى فجوة رقمية جديدة بين المستخدمين.

​الصحة العقلية: هناك مخاوف بشأن تأثير الانغماس المفرط في عالم افتراضي على الصحة العقلية والعلاقات الاجتماعية في العالم الحقيقي.

​الخلاصة

​الميتافيرس هو أكثر من مجرد مصطلح تسويقي؛ إنه تحول نموذجي في كيفية تفاعلنا مع التكنولوجيا والإنترنت. بينما لا يزال في مراحله المبكرة، فإن الشركات الكبرى والمنصات اللامركزية تتسابق لتطوير البنية التحتية والمعايير. إذا تحقق وعده بالكامل، فسيصبح الميتافيرس بمثابة طبقة جديدة من الواقع، تدمج حياتنا المادية والرقمية بطرق لم نكن نتخيلها سابقاً.