الصداع المتكرر عند الأطفال: متى يصبح علامة تستدعي القلق؟

سيدتي, صحة

الصداع المتكرر عند الأطفال: متى يصبح علامة تستدعي القلق؟

​الصداع عند الأطفال هو شكوى شائعة جداً لديهم، وكثير من الآباء يتساءلون: هل هذا مجرد ألم عابر؟ أم مؤشر على مشكلة أعمق؟ في غالبية الحالات، يكون صداع الأطفال غير خطير، لكن تكراره وتأثيره على جودة حياة الطفل ونشاطه اليومي والدراسي هو ما يجعله أمراً يستدعي الفهم والتدخل.

أنواع الصداع الأكثر شيوعاً عند الأطفال

​يُصنّف الصداع المتكرر عند الأطفال عادةً إلى نوعين أساسيين، بالإضافة إلى نوع ثالث ثانوي:

​1. صداع التوتر (Tension Headache)
​وهو النوع الأكثر شيوعاً.
​وصف الألم: ألم خفيف إلى متوسط الشدة، يوصف بأنه ضغط أو شد يحيط بالرأس (كشريط ضيق).
​التكرار: يمكن أن يكون عرضياً أو مزمناً (يومي أو شبه يومي).
​الأسباب الرئيسية: الإجهاد العاطفي، القلق، التعب، قلة النوم، والجفاف.

​2. الصداع النصفي (الشقيقة) (Migraine)
​على الرغم من أنه أكثر شدة، إلا أنه يصيب الأطفال أيضاً.
​وصف الألم: ألم نابض أو خافق، وغالباً ما يكون متوسطاً إلى شديداً، وقد يصيب جانباً واحداً أو كلا جانبي الرأس (بعكس البالغين الذين غالباً ما يكون في جانب واحد).

​الأعراض المصاحبة: الغثيان، والقيء، والحساسية المفرطة للضوء والصوت (رهاب الضوء والصوت).
​المدة: غالباً ما تكون مدته أقصر لدى الأطفال مقارنة بالبالغين (قد تستمر لأقل من 4 ساعات).
​العوامل: غالباً ما يكون له استعداد وراثي واضح.

​3. الصداع الثانوي (Secondary Headache)
​هو الصداع الناتج عن مشكلة طبية أخرى.
​أمثلة: عدوى الجيوب الأنفية، التهاب الأذن، التهاب الحلق، أو مشاكل في الرؤية (إجهاد العينين).
​العلاج: يزول بزوال السبب الأساسي.

​الأسباب والعوامل المحفزة لتكرار الصداع

​تتعدد العوامل التي تساهم في ظهور الصداع المتكرر لدى الأطفال:
​العوامل النفسية والاجتماعية:
​الإجهاد والقلق: مشاكل في المدرسة، التنمر، ضغط الامتحانات، أو توتر عائلي. يعتبر الإجهاد السبب الرئيسي لتكرار الصداع التوتري.

​الروتين غير المنتظم: قلة النوم وسوء نوعية النوم.
​العوامل البيولوجية والفسيولوجية:

​الوراثة: يلعب التاريخ العائلي دوراً كبيراً، خاصة في حالة الصداع النصفي.
​التغذية والجفاف: عدم تناول الوجبات بانتظام (خاصة وجبة الإفطار)، الجفاف ونقص السوائل، وبعض الأطعمة المحفزة (مثل الشوكولاتة، الكافيين، أو الأطعمة المصنعة).

​تغيرات نمط الحياة: الإفراط في استخدام الأجهزة الإلكترونية والشاشات.
​التغيرات الهرمونية: خاصة مع بداية سن البلوغ، حيث تزداد نسبة إصابة الفتيات بالصداع النصفي.

​المشاكل الصحية الأخرى:

العدوى المتكررة (البرد، الإنفلونزا، التهابات الجيوب).
​مشاكل الأسنان (كجز الأسنان أثناء النوم).

متى يجب استشارة الطبيب؟ علامات الخطر

​على الرغم من أن معظم حالات الصداع غير خطيرة، إلا أن هناك علامات تحذيرية تستدعي التقييم الطبي الفوري والعاجل:
​الصداع المفاجئ والشديد: يوصف بأنه “أسوأ صداع مرّ على الطفل”.
​الصداع المصحوب بالحمى وتصلب الرقبة: قد يشير إلى التهاب السحايا.
​الصداع الذي يوقظ الطفل من النوم.

​الصداع الذي يزداد سوءاً عند السعال أو العطس أو المجهود.
​الصداع المتكرر المصحوب بقيء متكرر، خاصة في الصباح الباكر.
​الصداع المصحوب بتغيرات عصبية: مثل ازدواجية الرؤية، ضعف في الذراع أو الساق، مشاكل في التوازن، أو تغير في سلوك وشخصية الطفل.
​الصداع اليومي أو شبه اليومي الذي يستمر لأكثر من أسبوعين متتاليين.

خطوات العلاج والوقاية:
​غالباً ما يكون التحكم في الصداع المتكرر عبر نهج متعدد الجوانب يركز على تعديلات نمط الحياة:

​1. التشخيص وتحديد المحفزات:

​مذكرة الصداع: أهم خطوة. يجب تسجيل تاريخ ووقت الصداع، مدته، شدته، الأنشطة التي سبقت النوبة، والأطعمة المتناولة. هذا يساعد الطبيب والأسرة على تحديد المحفزات الشخصية للطفل.
​التقييم الطبي: قد يتضمن فحوصات للعينين والأذنين وفحصاً عصبياً شاملاً.

​2. تعديلات نمط الحياة (خط الدفاع الأول):

​النوم الكافي: ضمان حصول الطفل على عدد ساعات نوم منتظمة ومناسبة لعمره.
​الترطيب والتغذية: شرب كميات كافية من الماء يومياً، والالتزام بوجبات منتظمة وصحية، مع تجنب الأطعمة المعروفة بتحفيز الصداع.

​التحكم في الإجهاد: مساعدة الطفل على إدارة التوتر عبر أنشطة الاسترخاء، ممارسة الهوايات، والحد من ضغوط الدراسة. قد يفيد العلاج السلوكي المعرفي في حالات الصداع النصفي وصداع التوتر المزمن.
​النشاط البدني: ممارسة التمارين الرياضية بانتظام.

​3. العلاج الدوائي:

​مسكنات الألم الحادة: استخدام المسكنات المتاحة دون وصفة طبية (مثل الباراسيتامول أو الإيبوبروفين) عند بدء النوبة، ولكن يجب تجنب الإفراط فيها، لأن الاستخدام المفرط يمكن أن يسبب “صداع الارتداد” (Rebound Headache) أو الصداع الناتج عن فرط تناول الدواء.

​الأدوية الوقائية: في حالات الصداع النصفي الشديد والمتكرر (أكثر من 4 مرات شهرياً)، قد يصف الطبيب أدوية وقائية تؤخذ بشكل يومي لتقليل تكرار وشدة النوبات.

​الطب البديل: بعض الدراسات تشير إلى أن المكملات الغذائية مثل المغنيسيوم و فيتامين ب2 (الريبوفلافين) قد تكون مفيدة في تقليل نوبات الصداع النصفي، لكن يجب استشارة الطبيب قبل تناولها.

​الخلاصة: الصداع المتكرر عند الأطفال هو نداء من الجسد لتعديل نمط الحياة، سواء كان السبب هو الإجهاد، أو الجفاف، أو الحاجة لنظارات طبية، أو حتى استعداد وراثي للشقيقة. المفتاح هو عدم الاستخفاف بالشكوى، ومتابعة النمط، والتوجه لاستشارة الطبيب في حال ظهور أي من علامات الخطر، لضمان صحة وراحة الطفل.